حازت الحركة النسائية في الأردن، على مكافأة قلما تحدث، بما يخص توثيقها، من خلال إطلاق كتاب "سنوات من النضال... الحركة النسائية في الأردن"، للصحافية رنا الحسيني، قبل أيام.
وعلى الرغم من حرص الأردنيين/ات، على عدم التواجد في أماكن تزيد طاقتها الاستيعابية عن عشرين شخصاً، نظراً للحماية الوقائية من فيروس كورونا، إلا أن حفل الإطلاق شهد حضوراً نسائياً، وحقوقياً كبيراً، وكأنهن يحتفلن مع الكاتبة بولادة كتاب توثيقي لحركتهن.
وأشارت بعضهن، في حديث لرصيف22، على هامش الحفل، إلى وجود تقصير، وإهمال، وتقاعس، وحتى عتب، بسبب شح المراجع والكتب التي رصدت تاريخ هذه الحركة، وأنصفتها، من خلال تعريف الناس بإنجازاتها، ومراحل نضالها، منذ أربعينيات القرن الماضي.
يوثق كتاب "سنوات من النضال" تاريخ الحركة النسوية الأردنية، ومفاصل انتصاراتها ومكتسباتها، والانكسارات التي مرت بها.
هذه هي الثغرة التي حرصت الحسيني على المساهمة في ردمها، بالعمل على مدار أكثر من عامين، على كتابها الصادر بالإنكليزية، بدعم من مؤسسة فردريتش إبيرت الألمانية، على أن يُترجم إلى العربية لاحقاً.
معارك على جبهات عدة
يتألف الكتاب من 280 صفحة، وهو مقسم إلى 11 فصلاً، ويتناول الحركة النسوية الأردنية، منذ الأربعينيات وحتى اليوم، ويتطرق إلى مفاصل الانتصارات والمكتسبات، ومراحلها، وإلى الاختراقات، وحتى الانكسارات التي مرت بها الحركة.ويسلّط الكتاب الضوء على أدوار أبرز القيادات النسوية في الأردن، وتأثيرها، ومنها قيادات ورموز كان الإعلام الأردني يخشى الحديث عنها، خوفاً من السلطة، لما حققته من أثر محوري في المجتمع الأردني، مثل إيميلي نفاع، وإيميلي بشارات، اللتين تظهران على غلاف الكتاب، ضمن صورة ملتقطة في مظاهرة نسوية، قبل نحو سبعين عاماً.
وقد تميزت السنوات التي أعقبت نكبة فلسطين، بالكثير من المظاهرات التي كانت تنظمها قيادات نسائية، نصرةً لهذه القضية، وهي كانت من أبرز عناوين العمل النسوي الأردني حينها، قبل أن ينتقل أكثر إلى العمل الاجتماعي.بالإضافة إلى ذلك، يضيء الكتاب على أهم المعارك التي خاضتها، وما تزال، الحركة النسائية الأردنية، مثل تلك التي تزامنت مع الأحكام العرفية، عندما شُكلت عام 1957 حكومتان عسكريتان في الضفتين، الغربية والشرقية، وحُلت الأحزاب، وفرضت الحكومة منع التجول، وتوسعت في اعتقال حزبيين، وصحافيين.
كما أشار الكتاب إلى المعارك التشريعية والقانونية، لتحقيق المساواة الجندرية في الأردن، ومنها حراك حصول المرأة على حقها في المشاركة السياسية، مثل الترشح للانتخابات النيابية، وهو ما تحقق عام 1974، وانتُخبت أول امرأة في مجلس النواب عام 1993، توجان فيصل، وإلغاء المادة 308 من قانون العقوبات، التي تسمح لمرتكب جريمة الاغتصاب بالزواج من ضحيته، وذلك عام 2017. ولا يزال النضال مستمراً لإلغاء المادتين 340 و390 من القانون نفسه، اللتين تسهلان إفلات مرتكب "جريمة الشرف" من العقاب، فضلاً عن استمرار الضغط باتجاه حصول الأردنية المتزوجة من غير أردني، على حقها في منح أبنائها الجنسية.
"نفخر بالحركة النسوية الأردنية"
"هذا الكتاب من الأردنيين/ات، وإلى الأردنيين/ات"؛ هكذا قالت رنا الحسيني في لقاء مع رصيف22، عادّةً أن أبرز ما يميز كتابها هو أنه أردني بحت، من حيث المصادر، والمحتوى، وحتى "النَفَس".وبررت الأمر بقولها: "للأسف، بسبب غياب التوثيق الكافي، عن الحركة النسائية في الأردن، وتقصير الأطراف المعنية كلها، قد يبدو من الخارج أن بلدنا ما زال متأخراً جداً في حركة التطوير النسوية، وكأنه لم يحقق أي إنجاز".
وتضيف: "لذا فضلت أن أثبت العكس. نحن نفخر بأنفسنا، واشتغلنا كثيراً، وحققنا إنجازات مهمة، حتى لو كان الطريق لتحقيق الأفضل ما يزال موجوداً".
وأشارت إلى أن كتابها، وهو الثاني بعد "جريمة باسم الشرف"، الصادر قبل عشر سنوات، تطرق إلى تاريخ بدء الحركة النسوية في الأردن، والإنجازات التي حققتها، مثل إلغاء المادة 308 من قانون العقوبات، ومعارك إلغاء اشتراط فحص العذرية قبل الزواج، بالإضافة إلى منع تزويج القاصرات تشريعياً، وحملات تعديل قانون الأحوال الشخصية التي ما تزال مستمرة، لافتةً إلى أنها قابلت 35 شخصية قيادية نسوية وحقوقية، و95 مصدراً في الأردن، واستندت إلى عشرات المراجع، لإنجاز الكتاب."آمل بأنني أنصفت الحركة النسائية، وأن يكون الكتاب بمثابة مصدر للأجيال الحالية، والتي ستليها، حتى يفخروا بالحركة النسائية في بلدهم، ويعلموا أن هناك شخصيات ضحت بالكثير، للدفاع عن قضايا سامية، وأننا قادرون كأردنيين/ات على التغيير، حتى لو تبقّى الكثير".
"بسبب غياب التوثيق الكافي، عن الحركة النسائية في الأردن، وتقصير الأطراف المعنية، قد يبدو من الخارج أن بلدنا ما زال متأخراً جداً في حركة التطوير النسوية، وكأنه لم يحقق أي إنجاز، لذا فضلت أن أثبت العكس. نحن نفخر بأنفسنا، واشتغلنا كثيراً، وحققنا إنجازات مهمة"
"لسنا يداً واحدة"
في لقاء مع رصيف22، اتخذ طابعاً نقدياً بعض الشيء، تصف القيادية النسوية ليلى نفاع الكتاب بأنه "مكافأة للحركة النسائية في الأردن". ونفاع ناشطة سياسية، ونسوية، ومدنية، منذ السبعينيات، وتشغل منصب مدير البرامج في جمعية النساء العربيات، وتهتم بشكل خاص بالتمكين السياسي والحقوقي للنساء الأردنيات، وبالأخص الريفيات.حاولنا في حديثنا معها التجول في تاريخ الحركة، كونها من أهم الشاهدات عليها، وهي بدورها أشارت إلى أن بداية الحركة اتسمت بالطابع السياسي، كنتيجة حتمية لكون الأردن جارة لفلسطين، ما أعطى الكثير للنضال النسوي الأردني. ولعل بيوت القيادات النسائية، حيث كانت تُعقد اجتماعات دورية، وحيث وُلدت حركات وحملات مدافعة عن القضية، في خمسينيات القرن الماضي، أهم شاهد على ذلك. "السياسة كانت في صلب الحركة النسائية، في ذلك الوقت، وكان للأردنيات إيمان مطلق بأن لهن دوراً في نصرة فلسطين".
لكن مع بدء سلسلة تضييقات السلطة على الحركات السياسية بشكل عام، ومنها النسوية، والتي تأججت في عهد الأحكام العرفية، الذي شهد إغلاق اتحاد المرأة، وإيقاف العمل النقابي، اضطرت الحركة إلى الاتجاه نحو العمل الاجتماعي. "بذلك، ومنذ الثمانينيات، ضعف الموقف السياسي للحركة، على الرغم من انتهاء ذلك العهد، وأصبحت عرضة لتوجيهات الدولة التي تحرص على تسيير عمل الأحزاب، وذلك كله جزء من التضييق العام على الحركة المدنية بأشكالها كلها".
كيف تقيمين الحركة النسائية في الأردن اليوم؟ سألنا نفاع، وأجابت: "آسف أن أقول هذا، لكن أهم مشكلاتنا أننا لسنا يداً واحدة. هناك شرخ بيننا، وهو جزء من الشرخ الكبير الذي أصاب العمل السياسي، والحقوقي، والمدني، برمتّه، ناهيك عن التنافس بسبب محدودية الموارد المتاحة، ما يعرقل أي تحالف يمكن أن يجمعنا. الجو العام في البلد، لا يساعد على جعل الحركات الاجتماعية يداً واحدة".
"لا بد من نظرة نقدية"
وكان من المهم معرفة أسباب التقصير في الحديث عن عمل الحركة النسائية الأردنية، وتاريخها، وتوثيقه، وفي هذا الصدد أشارت الأمينة العامة للجنة الوطنية لشؤون المرأة الدكتورة سلمى النمس إلى أن "الحركة شهدت فترة فراغ تاريخي، ما صعّب الحصول على مصادر كافية لتوثيقها، فضلاً عن انسحاب شخصيات نسوية من المشهد، وعدم رغبتها بالسرد، بسبب التضييقات الكثيرة التي تعرضن لها".وأضافت النمس، خلال لقاء مع رصيف22: "في الأردن، نحن لم نوثق تاريخنا. الآخرون هم من فعلوا ذلك. ونادراً ما نجد مرجعيات لتاريخ النضال الوطني الأردني. للأسف نحن مقصرون في توثيق النضال الوطني بشكل عام، وليس النسوي فحسب".
وتساءلت: "لنكن صريحين، أي عمل توثيقي يجب أن يكون نقدياً وصريحاً، فهل نحن جاهزون لتقبل الانتقادات لذاتنا، ولأدائنا؟".
وعن التحديات التي تصعّب توحيد الحركة النسائية في الأردن، ترى النمس أن على رأسها "الوضع السياسي القائم الذي لا يبني نهجاً لحراك وطني، نتيجة التضييق على الحريات، سواء السياسية أو حرية الرأي والتعبير والصحافة، بالإضافة إلى الاعتقالات التي تستهدف ناشطين وحزبيين، وتخلق تخوفاً من المشاركة في العمل السياسي، ناهيك عن القيود التي بدأت تمارس على مؤسسات المجتمع المدني لتقييد عملها، ومنها محاولات التدخل في تقاريرها، أو منع إقامتها فعاليات ومؤتمرات".
"نتهم بأننا ضد الدين والعادات والتقاليد، وأننا نريد أن نفسخ الأُسر، فضلاً عن أن أجنداتنا غربية، ما يجعلنا ننشغل بمعارك جانبية لتطهير صورتنا، وهو شيء مرعب، فجهدنا كله يضيع لإثبات أننا وطنيون، بدلاً من أن نشتغل على معاركنا الحقيقية
وتضيف المتحدثة أن واحدة من العقبات التي تواجههم، هي عدم اقتناع الأطياف السياسية في الأردن، بالحراك النسوي، "حتى اليسار غير مقتنع أننا حراك وطني".
لكن التحدي الأكبر الذي يواجه النسوية في الأردن، اليوم، حسب رأيها، هو خطاب الكراهية، "مثل اتهامنا أننا ضد الدين، والعادات، والتقاليد، وأننا نريد أن نفسخ الأُسر، فضلاً عن اتهامات بأن أجنداتنا غربية، ما يجعلنا، وبدلاً من أن نستثمر وقتنا لتعميق دورنا، ننشغل بمعارك جانبية، لتطهير صورتنا، وهو شيء مرعب، فجهدنا كله يضيع، لإثبات أننا وطنيون، بدلاً من أن نشتغل على معاركنا الحقيقية".
لا يختلف كثيراً رأي المحامية الحقوقية النسوية نور الإمام، وهي عضوة في تحالف همم لحقوق الإنسان، وعضوة إدارة في جمعية النساء العربيات، إذ ترى أن عدم الحديث الكافي عن الحركة النسائية الأردنية، ناتج عن تقصير النسويات في حق أنفسهن، وهنا تكمن أهمية الكتاب كما تقول لرصيف22، "فهو رد على كل شخص يقول إن الأجندة النسوية غربية. أجندتنا وطنية، ومرتبطة باحتياجات الأردن، ونسائه، لا غير".
ما هي أجمل حقبة مرت على الحركة النسائية في الأردن؟ سألنا المحامية، وقالت: "حقبة المرحلة الذهبية، أي الستينيات والسبعينيات. حينها، كان المجتمع الأردني أكثر تقدمية، وينظر إلى الحداثة، والتغيير، والعدالة، على أنها حق للجميع. في تلك الحقبة، مثلاً، لم يتجاوز عدد المحاميات في الأردن أصابع اليد الواحدة، لكن أعضاء نقابة المحامين انتخبوا امرأة لعضوية مجلس النقابة. لك أن تتخيلي كيف كان حال مجتمعنا وقتها".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...